قصيدة بعنوان البردة البصرية / للشاعر العراقي يونس عيسى منصور

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏



البردة البصرية ... في شكوى إلى صاحب العبقات السرمدية ...
كتبتها وأنا مسجون خارج العراق قبل ثلاثة وثلاثين عاماً ، حيث لبثت في السجن تسع سنوات عجاف ...
فاضَ القريضُ على ربْعٍ بذي سَلَمِ
وجداً بظبيٍ سعىٰ في روضةِ الحرمِ !!!
بضٍّ ... كحيلٍ ... غضيضِ الطرفِ ... ذي
غَنَجٍ ...
بدرٍ أطلَّ على موجٍ مِنَ الظُّلَمِ !!!
ماسار بالهدْيِ إلّا كُنتُ أُضْحِيَةً
في كلِّ حولٍ يُضَحّيها بسفكِ دمي !!!
ياهندُ ..؛ مهلاً ... فحادي العيسِ مرتحِلٌ
والمصحرونَ سروا في غاسقِ العُتَمِ ...
ياهندُ ..؛ رفقاً بصبٍّ باتَ مرتهناً
يشكو لطيفِكِ مالاقى مِنَ السقمِ ...
إنَّ الصبابةَ ماهبّتْ على أحدٍ
إلّا وكانتْ نذيرَ الشؤْمِ والنقمِ
فاسقي ربوعي حنيناً من مودّتِكمْ
فقد هويتُ صدىً في مسرحِ العدَمِ ...
"""""""""""""""""""""""""
ياأمَّ عمْرٍ ؛ نسينا بعدَ نأيكُمُ
أمّاً لمريمَ بين البانِ والعلمِ ...
بعدٌ ... فلا رحمةٌ تهمي ... ولا فرجٌ
ولا صباحٌ بهيٌّ يرتدي حُلُمي !!!
أصحو غريباً ... يكاد الصبحُ يأكلني
فالصبحُ هذا دنيئٌ ... غيرُ محتشمِ !!!
أسرٌ وجلدٌ وتعذيبُ ودمدمةٌ
صالت بنا ... فأرتنا أيّما سأمِ !!!
"""""""""""""""""""""""""
فاضَ القريضُ على ربْعٍ بذي سلمِ
فاجتاحتِ النفسَ أشباحٌ مِنَ الُعُتَمِ ...
واحلولكَ القلبُ من رسْمِ الطلولِ فوا
غوثاهُ ... غوثاهُ من شيبٍ ومن هرمِ
قد أظلمَ الصبحُ !!! فالأفلاكُ في هرجٍ
وقد تمادىٰ الدجىٰ ... فالكونُ في عدمِ !!!
فلا السحائبُ ألقت سُؤْرَ رشفتها
ولا المجاديحُ زفّتْ وافرَ الديَم !!!
إلا قليلاً ... ولكن يالدهشتنا
من وابلٍ ذخرتْها من صدىٰ ( إرَمِ ) !!!
إِذْ أمطرتنا صباحاً وهي كالحةٌ
ماءً غريباً كجلبابٍ منَ الظلمِ !!!
تاهت رؤانا ... فلم نملكْ عدا لغطاً
لغواً من القولِ ... أو زيفاً من الْكَلِمِ
لا المبتدا قد فقهنا سرَّ نشأتهِ !!!
لا المنتهىٰ يتجلّىٰ للفتىٰ الفَهِمِ !!!
برجٌ من الهولِ لا تُفنىٰ برازخُهُ
موجٌ مِنَ الرَّجْفِ إِنْ تبصرْهُ تنفصمِ !!!
"""""""""""""""""""""""""""""
يارعشةَ الأسرِ ... يامن فيكِ قد جُمِعَتْ
شتّى العيونِ ... فلم تهجعْ ... ولم تنمِ
رحماكِ ، رحماكِ ، قد تاهت بصائرُنا
مابين منتصرٍ طوراً ومنهزمِ !!!
رحماكِ ، رحماكِ قد ألفيتُ جامحةً
تهتزُّ كاسحةً في سيلِها العَرِمِ ...
رحماكِ ، رحماكِ ... حتّامَ الدنا ريَبٌ
مَنْ قال ( لا ) حدّثَتْهُ النفسُ عن ( نَعَمِ ) !؟!؟!؟
أشكو إلى اللهِ من أقدارِ أزمنةٍ
قد ألجمتنا ... فيا للهِ من لُجُمِ !!!
""""""""""""""""""""""""""""
ياقصةَ اللَّهِ !!! يا سرَّ الوجودِ ويا
إعصارَ كاتبِها ... ياحكمةَ الحكمِ !!!
ياألْفَها أولاً ... يالامَها وسطاً
ياميمَها آخِراً ... ياجوهرَ القيمِ !!!
الرسْلُ قد فَخُرَتْ إِذْ منه قد خُلِقَتْ
لولاهُ لاندثرتْ في سالفِ الأممِ
غيبّ سريرتُهُ كالعطرِ سيرتُهُ
ضاءت مسيرتُهُ ناراً على علمِ
محمدٌ أولُّ الدنيا وآخرُها
( ياطيبَ مبتدأٍ مِنْهُ ومختَتَمِ !!! )
فاللهُ مبتدأُ سبحانه وعلا
والمصطفى خبرٌ ، فامسكْهُ تعتصمِ ...
"""""""""""""""""""""""""""""""
رحماكَ طه... فقد - واللهِ - أنهكنا
جورُ الزمانِ ... وما دَهري بمكتتمِ ...
رحماكَ طه ... ألا تنقضُّ ثانيةً !!!
فقد تمادتْ !!! ولا من قائمٍ علمِ !!!
إنَّ القيامةَ تقويمٌ لغربتنا
لولا النهاياتُ ماقامت ... ولم تقُمِ !!!
إشفعْ لَهُ كالذي أكملتَ بُرْدَتَهُ
( وأنه خيرُ خلقِ اللهِ كلِّهِمِ ) ... (١)
واليومَ ثانٍ جثا يرجوك مكرمةً
فامسحْ بكفِّكَ هذا القيدَ ينفصمِ ...
"""""""""""""""""""""""""""
(١) : هنا إشارة للبوصيري قاضي قضاة مصر ... فيقال ، إن محمد البوصيري ( رحمه الله ) صاحب البردة المشهورة والتي مطلعها :
أمن تذكر جيرانٍ بذي سلمِ
مزجتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدمِ !؟!؟!؟
حينما كتب صدر البيت :
فمبلغُ العلمِ فِيهِ أنهُ بشرٌ ...
لم يستطعْ أن يُكمِلَهُ ، لأنه تحير ... تُرىٰ ماذا سيقول في العجز !؟!؟!؟
فطاف عليه الرسول ( ص ) وقال له : قل :
وأنهَُّ خيرُ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ ...
ومسح على عينيه - إذ كان البوصيري أعمى - فأبصر من ساعته ...
لقد كتبتُ هذه القصيدة قبل ثلاث وثلاثين سنة ...
وأنا مسجون خارج العراق ... وتقع
في مائة وعشرين بيتاً ... وهذا ما بقي في ذاكرتي منها ... وقد سببت لي سجناً
فوق سجني ... وغربةً فوق غربتي ... لأسبابٍ
لا أحب ذكرها ... وكما قال الشاعر :
فكان ماكان مما لستُ أذكرُهُ
فظُنَّ خيراً ولا تسألْ عنِ الخبرِ ...
وبعد مرور أربع سنوات من كتابتي لهذه القصيدة ، تقبّل الله شفاعة رسوله ( ص ) فيَّ ، فخرجتُ من السجن ، وعُدْتُ إلىٰ العراق ... وياليتني لم أعُدْ ...
شعر : يونس عيسى منصور ( أبو علي الحلفي
)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة بعنوان حبّك يكبر / للشاعر جعفر الخطاط

قصيدة بعنوان رسالة الأميرة / للشاعرة مريم كباش

قصيدة بعنوان لا تطرق الباب / للشاعر منهل الملاح