مقال عن الشعر بعنوان لغتنا الجميلة في الشعر والأوزان الشعرية / للأستاذ خالد خبازة





أثر الشعر و تأثيره في حياة العرب قديما
و ما قيل في الشعر و الشعراء
الشعر علم قديم نشأ بالسليقة على ألسنه فصحاء العرب ، و هو يأتي في ستة عشر بحرا .. كانت تأتي موازية بالفطرة على ألسنة الشعراء قبل أن تهذب عروضه ، أو تفصل ضروبه و قوافيه .
و قد يمتنع الشعر على قائله ، و لا يسلس حتى يبعثه خاطر يطربه ، أو صوت حمامة يشجيه .
قال الفرزدق :
أنا أشعر الناس عند اليأس ، و قد يأتي علي الحين ، و قلع ضرس عندي ، أهون من قول بيت من الشعر .
و قال الشاعر :
انما الشعر بناء ... يبتنيه المبتنونا
فاذا ما نسقوه ... كان غثا أو سمينا
ربما واتاك حينا ... ثم يستصعب حينا
و أساس ما يكون الشعر في أول الليل قبل الكرى ، أو في أول النهار قبل الغداء ، و عند مفاجأة النفس و اجتماع الفكر . و أقوى ما يكون الشعر على قدر قوة أسباب الرغبة أو الرهبة .
قيل للخريمي :
ما بال مدائحك لمحمد بن منصور بن زياد ، أحسن من مراثيك ؟ . قال :
كنا حينئذ نعمل على الرجاء ، و نحن اليوم نعمل على الوفاء ، و بينهما بون بعيد .
و الدليل على صحة هذا المعنى ، و صدق هذا القياس ، أن كثير عزة ، و الكميت بن زيد كانا شيعيين مغاليين في التشيع ، و كانت مدائحهما في بني أمية أشرف و أجود منها في بني هاشم . و ما لذلك علة الا قوة أسباب الطمع .
و قيل لكثير عزة :
يا أبا صخر ! . كيف تصنع اذا عسر عليك الشعر ؟ . قال :
أطوف في الرّباع المحيلة ، و الرياض المعشبة ، فان نفرت عنك القوافي ، و أعيت عليك المعاني ، فروّح قلبك ، و أجم ذهنك ، و ارتصد لقولك فراغ بالك و سعة ذهنك . فانك تجد في تلك الساعة ما يمتنع عليك يومك الأطول ، و ليلك الأجمع .
قال بلال بن جرير سألت أبي جريرا ، فقلت له :
انك لم تهج قوما قط ، الا وضعتهم ، غير بني لجأ ؟ . قال :
يا بني ! . انني لم أجد شرفا فأضعه ، و لا بناء فأهدمه .
و قد يكون الشيء مدحا فيجعله الشعر ذما ، و يكون ذما فيجعله الشعر مدحا .
قال حبيب الطائي " أبو تمام " في هذا المعنى :
و لولا خلال سنها الشعر ما درى ... بغاة الندى من أين تؤتى المكارم
ترى حكمة ما فيه وهو فكاهة ... و يقضى بما يقضى به ، و هو ظالم
وكان بنو عبد المدان الحارثيون ، يفخرون بطول أجسامهم ، و قديم شرفهم ، حتى قال فيهم حسان بن ثابت :
لا باس بالقوم من طول و من غلظ ... جسم البغال و أحلام العصافير
فقالوا له : و الله يا أبا الوليد ، لقد تركتنا و نحن نستحي من ذكر أجسامنا بعد أن كنا نفخر بها . فقال لهم :
سأصلح منكم ما أفسدت . فقال فيهم :
و قد كنا نقول اذا رأينا ... لذي جسم يُــــعد و ذي بيان
كأنك أيها المعطى لسانا ... و جسما من بني عبدالمدان
أما بنو أنف الناقة
فقد كان بنو حنظلة بن قريع بن عوف بن كعب ، يقال لهم : بنو انف الناقة ، يسبّون بهذا الأسم في الجاهلية . ( و سبب ذلك أن أباهم نحر جزورا ، و قسم اللحم ، فجاء حنظلة ، و قد فرغ اللحم ، و بقي الرأس ، و كان صبيا ، فجعل يجره ، فقيل له : ما هذا ؟ فقال : أنف الناقة . فلقب به ، و كانوا يغضبون منه ) حتى قال فيهم الحطيئة :
سيري أمامَ فان الأكثرين حصى ... و الأكرمين اذا ما ينسبون أبا
قوم هم الأنف ، و الأذناب غيرهم ... و من يسوّي بأنف الناقة الذنبا
فعاد هذا الاسم فخرا لهم ، و شرفا فيهم .
و كان يقال أن الواحد منهم ، كان يترك عشيرته و يتسمى باخرى ، خجلا من اسم قبيلته ، الا أنه بعد شعر الحطيئة ، أصبح الآخرون يتسابقون للانتساب اليهم .
و كان بنو نمير أشراف قيس و ذؤابتها ، حتى قال جرير فيهم :
فغض الطرف انك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فما بقي نميري الا طأطأ رأسه . حتى أن حبيبا الطائي ضرب المثل بضعة بني نمير بعد شعر جرير . قال :
فسوف يريكم ضعة هجائي ... كما وضع الهجاء بني نمير
ما قيل في الشعر و الشعراء :
:
جاء في كتاب " العمدة في محاسن الشعر و آدابه " لابن رشيق القيرواني :
قال بعضهم : يقوم الشعر بعد النية على أربعة أشياء : اللفظ و الوزن و المعنى و القافية .
و قال بعض العلماء في الشعر :
بني الشعر على أربعة أركان : المدح و الهجاء و النسيب و الرثاء .
و قالوا :
قواعد الشعر أربعة : الرغبة و الرهبة و الطرب و الغضب .
فمع الرغبة يكون المديح و الشكر ، ومع الرهبة يكون الاعتذار و الاستعطاف ، و مع الطرب يكون الشوق و رقة النسيب ، و مع الغضب يكون الهجاء و الهجاء ، الوعد و العتاب الموجع .
و قال بعضهم : يجمع أصناف الشعر أربعة : المديح و الهجاء و الحكمة و اللهو ، ثم يتفرع من كل ذلك فنون : فيكون من المديح المراثي و الافتخار و الشكر ،. و يكون من الهجاء الذم و العتاب و الاستبطاء ،. و يكون من الحكمة الأمثال و التزهيد و المواعظ ،. و يكون من اللهو الغزل و الطرد و صفة الخمر و المخمور .
و يعتبر العرب أن البيت من الشعر ، كالبيت من الأبنية : قراره الطبع ، و سمكه ( سمك : رفع ) الرواية ، و دعائمه العلم ، و بابه الدربة ، و ساكنه المعنى ،. و لا خير في بيت غير مسكون .
يقول علي بن عبدالعزيز الجرجاني ، صاحب كتاب الوساطة بين المتنبي و خصومه :
الشعر علم من علوم العرب ، يشترك فيه الطبع و الرواية و الذكاء ، ثم تكون الدربة مادة له ، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال ، فهو المحسن المبرز ، و بقدر نصيبه منها ، تكون مرتبته من الاحسان .
و قال بعض العلماء :
الشعر ما اشتمل على المثل السائر ، و الاستعارة الرائعة ، و التشبيه الواقع ، و ما سوى ذلك ، فانما لقائله فضل الوزن .
و قال عبدالصمد بن المعذّل :
الشعر كله في لفظات ثلاث ، و ليس كل انسان يحسن تأليفها : فاذا مدحت ، قلتّ أنت ،. و اذا هجوت ، قلتَ لست ،. و اذا رثيت ، قلت كنت .
قال أبو عبدالله وزير المهدي :
خير الشعر ما فهمته العامة ، و رضيت عنه الخاصة .
و قال ابن المعتز : قيل لمعتوه : ما أحسن الشعر . قال : ما لم يحجبه عن القلب شيء .
يقولون : فلان شاعر راوية .. يريدون أنه اذا كان راوية ، عرف المقاصد ، و سهل عليه مأخذ الكلام ، و لم يضق به المذهب .
و سئل رؤبة بن العجاج عن الفحل من الشعراء ، فقال : هو الراوية ، يريد أنه اذا روى استفحل .
قال يونس بن حبيب : و انما ذلك فانه يجمع الى جيد شعره ، معرفة جيد شعر غيره ، فلا يحمل نفسه الا على بصيرة .
و قال رؤبة في صفة الشاعر :
لقد خشيت بأن تكون ساحرا ... راوية مرا و مرا شاعرا
فاستعظم حاله حتى قرنها بالسحر .
و قيل : على الشاعر أن يتجنب سوقي الكلام ، و الحوشي الغريب ، حتى يكون شعره حالا بين حالين كما قال بعضهم :
عليك بأوساط الأمور فانها ... نجاة و لا تركب ذلولا و لا صعبا
و لا يكون الشاعر حاذقا مجودا ، حتى يتفقد شعره ، و يعيد فيه نظره ، فيسقط رديه ، و يثبت جيده ، و يكون سمحا بالركيك منه ، مطرحا له ، راغبا عنه . فان بيتا جيدا يقاوم ألفي رديء .
و قال امرؤ القيس ، و هو أول من زعموا أنه اختبر له ، و علم به أنه يكون أفضل الشعراء و المقدم عليهم .. :
أذود القوافي عني ذيادا ... ذياد غلام جريء جرادا
فلما كثرن و عنّيْنه ... تخير منهن شتى جيادا
فأعزل مرجانها جانبا ... و آخذ من درها المستجادا
فاذا كان أشعر الشعراء يصنع و يحكيه عن ما بنفسه ، فماذا على غيره أن يصنع ؟
و كان أبو نواس يفعل هذا الفعل فينفي الدني و يبقي الجيد .
و قال بعض المتقدمين :
شر الشعر ما سئل عن معناه .
و قال الحطيئة :
خير الشعر الحولي المحكك . أخذ بذلك بمذهب زهير و أوس بن حجر و طفيل الغنوي .
و كان أبو تمام ينصب القافية للبيت ليعلق الأعجاز بالصدور ، و ذلك هو التصدير في الشعر .. و لا يتأتى به الا شاعر متصنع كحبيب و نظرائه . و الصواب أن يصنع الشاعر بيتا لا يعرف قافيته .
وعلو البعض يقوم بصنع القسيم الأول من البيت ، ثم يلتمس في نفسه ما يليق به من القوافي بعد ذلك ، فيبني عليه القسيم الثاني .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة بعنوان حبّك يكبر / للشاعر جعفر الخطاط

قصيدة بعنوان رسالة الأميرة / للشاعرة مريم كباش

قصيدة بعنوان لا تطرق الباب / للشاعر منهل الملاح