قصة بعنوان كلام المطر / للأستاذة مريم كباش

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏منظر داخلي‏‏‏


** قصة بعنوان كلام المطر : 

================

نزلت حبَّات المطر محملة بعبقٍ جميل , صوت بَرَدِها يرنُّ ويدندن أمام نوافذ وعتبات البيوت , فيبتسم ثغر الأرض , ويرقص الياسمين بعد أن ينفض عن عيونه خمول الشِّتاء , ويرسل من شذاه ندى الحب والحياة . من نافذة بيتٍ عتيقٍ تطلّ عيون طفلةٍ ترقب ضباب السَّماء , تصغي لبوح المطر , تنظر باهتمامٍ كبير لأرضٍ فتحت صدرها لتحضن المطر , وينتعش عطراً وروحاً ترابٌ كان في استقبال جميل ولقاء حميم لزائر محبوب أتى بخيرات الله المباركة . فجاة تصرخ الطّفلة بصوت فرح دافيء بدا في أعلى حالات النّشوة وكأنّه موّالٌ شجيّ ينبعث من حنجرة محترفة تغني في مقام الشّهداء ..
قالت : أمّي ! اسمعي حبّات المطر , إنها تحكي ..! أسمع صوتها وكلامها .. وأفهم ماتقول .
نظرت الأمّ إليها بدهشةٍ , قالت باستغرابٍ وفضول : كيف تحكي ياابنتي ؟!
أنتِ يُخيَّل إليكِ , هذا صوت الأولاد في الحارة ماتسمعينه .
تصمت الطّفلة قليلاً , وقد هيّأت نفسها لجوابٍ فطريٍّ بريء , قالت :
_ ماما ..! هذا بابا يسلم عليّ ويرسل لي رسالةً مع المطر , يقول أنا أحبكم .
يشتدُّ طرق حبّات البَرَد على النّافذة , تقول الصّغيرة :
_ ها .. اسمعي أمّاه مايقول أبي ..! يقول : إن سوريّا رائعة المنظر كما يراها من السّماء , متألقة مثلما كانت فائقة البهاء والجمال على الأرض .
مدّت الطّفلة يديها لحبّات المطر , عانقتها بحنان حتى ابتلّت , رفعتها بإجلال وتقدير إلى شفاهها وقبلتها ببراءة وقالت لها : أرجوكِ بلّغي أبي سلامي وأشواقي وقبلاتي.
توقفت عن كلامها , ثمّ انطلقت إلى رفيقاتها في الحارة يرقصون ويغنون .. تراقبها أمّها بحسرة وصمت , تقف وسط أترابها تهتف بقوة و تغني بحب :
( يامطره غَنِّي .. غَنِّي
وسلمي عَ أهل الجنّه
سمعانه صوت ال بابا
احكيلو يامطره عنّي
قوليلو اني بحبو كتير
وخديلو بوسه منّي )
يضحك الأطفال بمرح ويرددون معها أغنيتها الجميلة , تلاحقها الأمّ بدموعها التي تاهت على وجنتيها من تأثير المطر الذي غسلهما , شعرت أنَّ الدموع المحملة بآلام الفراق وحزن الفقد امتزجت ببعض فرح بعثه الله كرمى لترابٍ فداه أبناؤه بحلاوة الرّوح وعطر الشَهادة , تعود الطّفلة إلى حضن أمّها , تغمض عينيها وتظل تفكر بمطرٍ لا ينقطع صوته وتبتسم لكلامه الذي يدغدغ روحها بسعادة لأنه مرسول حبّ من أبٍ في السّماء .
في الصّباح سطعت الشمس من جدائل أطفال حالمة وخدود ورديّة تنضح بالحبّ وعيون تنظر بأملٍ لآباء في ساحات القتال , ليكتمل المشهد , وبين رسالة شهيد يحكيه كلام المطر وبندقية مقاتل على الأرض حديثها حدائق غار تتمايل سوريّا على ألحان عشّاقها . أمّا البرق فقد استمر يومض بشعاع نور , رأته الطّفلة مرسوماً قوس قزح بألوان ملائكيّة كوجه أبيها , فتلمع لوحة الوطن كأروع ماتكون .
# بقلمي :
ريحانة الشام : مريم كباش #

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة بعنوان حبّك يكبر / للشاعر جعفر الخطاط

قصيدة بعنوان رسالة الأميرة / للشاعرة مريم كباش

قصيدة بعنوان لا تطرق الباب / للشاعر منهل الملاح